المهجرون الفلسطينيون من سورية إلى خارجها
واقع الفلسطينيين في سورية في ظل الأزمة
مقدمة:
بعد أيام قليلة تدخل الأزمة في سورية سنتها الثالثة على التوالي بكل ما تحمله من صعوبات ومعاناة ونزوح تجاوز المليون شخص.. سنتان يعاني فيهما أهلنا في سورية من الخوف والقتل والتشريد.. حيث طالت المأساة الجميعَ من دون تفريق بين كبير وصغير وشيخ وامرأة.
تكمن الخصوصية في تناول قضية اللاجئين الفلسطينيين في سورية من باب الخصوصية السياسية للوجود الفلسطيني هناك، وما تمثله المخيمات من رمزية لأحد ثوابت الشعب الفلسطيني، لا سيما مخاطر تلاشيها واندثارها وإنهاء رمزية حق العودة وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على قضية فلسطين وثوابتها.
فالفلسطيني اللاجئ في سورية لا يستطيع تجاوز الحدود نحو الأردن وهو لا يستطيع اللجوء إلى لبنان أكثر من أسبوع (يمكن أن تجدد) كما أن نزوحه إلى تركيا أمر صعب للغاية، إضافة إلى أن النزوح الداخلي لم يعد ذا قيمة مع انعدام الأماكن الآمنة في سورية التي تقبع كلها تحت القصف.
ما يمر به الفلسطينيون في سورية اليوم، حاولوا تفاديه مراراً لأن التجربة الفلسطينية السابقة في الأردن ولبنان ومن ثم العراق وليبيا تحتم عليهم عدم الدخول في أي معترك مسلح كي لا تحدث النتيجة نفسها المتوقعة من قتل وتشريد وتهجير.
النزوح مستمر ..
من المهم بداية الإشارة إلى أن أعداد من بقي في المخيمات الفلسطينية بالداخل السوري، بعد نحو عامين على الأزمة الدائرة في الأراضي السورية، يتناقص باستمرار، في ظل اشتداد الأزمة وانقطاع سبل العيش مع فقدان الأمن والأمان حتى على أرواحهم، حيث يصبح احتمال التحاقهم بمن سبقهم في النزوح إلى الدول المجاورة أكبر، لا سيما لبنان، وما يترتب على ذلك من تداعيات إنسانية صعبة.
يقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية بعد 64 عامًا من نكبتهم بنحو 510.444 لاجئ، حسب إحصائيات الأونروا بتاريخ 1- كانون الثاني – 2012. يعيش اللاجئون الفلسطينيون السوريون في تسعة مخيمات معترف بها من قبل الأونروا وثلاثة غير معترف بها.
منذ بداية الأحداث في سورية بدأت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، فانتقلوا من مرحلة الاستقرار المؤقت إلى مرحلة الاضطراب، فمنهم من اضطر للنزوح عدّة مرات لأماكن أكثر أمنًا من المخيمات خصوصاً في الأشهر الأخيرة من الأحداث.
واللافت للراصد لما يحصل في سورية؛ تواصل ارتفاع حصيلة الشهداء الفلسطينيين في سورية، فقد تسارع ارتفاعها بشكل يدعو للقلق خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث سجل شهر كانون الأول- ديسمبر من عام 2012، حوالي 145شهيداً فلسطينياً موثقاً. في حين كانت الحصيلة الموثقة للشهداء الفلسطينيين في سورية حتى تاريخ 28-2-2013 وبحسب “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية” (1036) شهيدا، حيث تقوم المجموعة بتوثيق أسماء الشهداء الفلسطينيين في سورية، وظروف وتاريخ ومكان استشهادهم.
نحو نصف الشهداء الفلسطينيين في سورية سقطوا في دمشق (531 شهيداً)، إضافة إلى (223 شهيداً) في ريف دمشق. كما أن أكثر من 65 % من الشهداء الفلسطينيين سقطوا داخل مخيماتهم وتجمعاتهم، فلم يشفع للفلسطينيين أماكن تواجدهم سواء في مخيماتهم أم خارجهم. وسقط في مخيم اليرموك وحده 398 شهيداً فلسطينياً.
ويبلغ إجمالي عدد النازحين الفلسطينيين من سورية إلى خارجها حتى الآن نحو 15 في المائة من مجمل فلسطينيي سورية، في حين بقي مثلهم تقريبًا داخل المخيمات، والباقون نزحوا إلى مناطق أخرى في سورية ومعظمهم في العاصمة دمشق. والغالبية العظمى من هؤلاء نزحوا بملابسهم وبما خف وزنه وقدر حمله، للنجاة بأنفسهم في ظل اشتداد المعارك الدائرة بين الجيشين النظامي والحر، وهذا يشكل عبئًا على الأماكن التي وصلوا إليها.
لبنان .. لاجئون فلسطينيون من جديد
لجأت الكثير من العائلات الفلسطينية من مخيمات سورية إلى لبنان وخاصة من مخيم اليرموك ومنطقة السيدة زينب والحجر الأسود وسبينة والحسينية ودرعا وخان الشيخ وغيرها من المخيمات والتجمعات الفلسطينية داخل سورية، وهذا العدد مرشح للازدياد وبوتيرة متصاعدة، يوماً بعد يوم بسبب استمرار أعمال العنف بين الجهات المتنازعة.
وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى دخول ما يزيد عن 53715 لاجئاً فلسطينياً من مخيمات سوريا إلى لبنان حتى تاريخ نهاية شهر كانون ثاني 2013، في ظل تأكيد السلطات اللبنانية بأن أعدادًا كبيرة من فلسطينيي سورية يصلون يوميًا إلى الأراضي اللبنانية.
استقر معظم هؤلاء النازحين عند أقارب لهم أو عند عائلات فتحت لهم بيوتها ومنهم من قامت بعض المؤسسات الأهلية في المخيمات بفتح بعض مراكز أنشطتها، والعمل على إيواء بعض اللاجئين فيها من خلال بناء مراكز إيواء مؤقتة ومنهم من قام باستئجار منازل داخل المخيمات وخارجها، رغم عدم وجود مدَّخرات لديهم وكذلك انخفاض سعر صرف العملة السورية مقابل العملة اللبنانية وغيرها من العملات الأخرى، وبالتالي انخفاض قدرتها الشرائية.
وعلى الرغم من الترحيب الحار والاستقبال الأخوي الذي أظهرهما اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان حيال النازحين الفلسطينيين من سوريا، إلا أن ذلك لا ينفي أن تلك الأسر اللاجئة باتت تشكل عبئاً إضافياً على أبناء المخيمات، لا سيما أن الوافدين في غالبيتهم يسكنون مع أقاربهم في بيوت صغيرة، بالكاد كانت تتسع لسكانها، ما اضطر بعض أفراد العائلات المستضيفة إلى مغادرة منازلهم.
إضافة لذلك فقد أدّى هذا اللجوء إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية للعائلات المضيفة لا سيما في ظل غياب توفير الخدمات للقاطنين الجدد. وانعكست كثافة النازحين سلباً على خدمات النظافة في المخيمات في ظل عدم زيادة الأونروا لعمال النظافة، كذلك انعكس الأمر على أداء عيادات الأونروا خصوصاً أن طواقم العمل المتوفرة بقيت أيضاً على حالها في ظل السماح للنازحين بالمعاينة والعلاج داخل عيادات الأونروا. ولوحظ أيضاً نقصان واضح في كمية الأدوية حيث أصبحت تستنفذ قبل المدة المتوقعة لها باعتبار أن كميات الأدوية التي كانت تقدم في السابق لم يتم زيادتها، حتى أن بعض المدارس قد تأثرت بزيادة عدد التلاميذ في الصف الواحد، أمّا المناطق التي بها كثافة للنازحين، فقد تم اتخاذ خطوات باعتماد نظام الفترتين الصباحية والمسائية لاستيعاب الأزمة الطارئة.
أما بشأن تلك العائلات التي لا أقارب أو معارف لها في لبنان؛ فقد اضطرت إلى استئجار منازل وبتكاليف مرتفعة، هذا الأمر دفعها إلى بيع مدخراتها من الحلي والذهب، كي تتمكن من تغطية نفقات معيشتها الطارئة، أما تلك العائلات التي لا تملك مدخرات فآثرت البقاء في سورية حيث تعاني من مخاطر شديدة.
يلاحظ أن الحكومة اللبنانية لم تلتزم بالمعايير الدولية لجهة حسن استقبال اللاجئين الفلسطينيين الفارين من القتال. ولم تصدر أرقاماً إحصائية رسمية دقيقة عن أعدادهم ومكان انتشارهم وعن حاجاتهم الإنسانية، كما لم تقدم لهم مساعدات إنسانية. وهذا التقصير الدولي واللبناني تجاه اللاجئين جعل أوضاعهم الإنسانية تتفاقم بشكل غير مسبوق، وجعل العبء الأكبر يعود إلى جمعيات المجتمع المدني الفلسطيني، لا سيما الخيرية منها. وقد بذلت المؤسسات الإسلامية الخيرية جهوداً ملحوظة خلال هذه الأزمة.
ويوضح الدول أدناه عدد اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان حتى تاريخ 1/3/2013
المنطقة
الرقم
إسم المخيم
عدد العائلات
صيدا
1
مخيم عين الحلوة
2400
2
مخيم المية ومية
200
3
صيدا
700
4
إقليم الخروب
1100
بيروت
5
مخيم شاتيلا، صبرا، أرض جلول
650
6
مخيم برج البراجنة
844
7
مخيم مار الياس
11
الشمال
8
مخيم البداوي
1079
9
مخيم نهر البارد
569
صور
10
مخيم برج الشمالي
650
11
مخيم الرشيدية
250
12
مخيم البص
120
13
تجمعات الساحل
370
البقاع
14
مخيم الجليل
1100
15
تجمعات البقاع الأوسط
700
المجموع
10743
الأردن .. أزمة مركبة
شددت السلطات الأردنية منذ بداية الأزمة السورية على منع دخول أي لاجئ فلسطيني إلى أراضيها، معتبرة أن هذا الأمر “خط أحمر” لن يسمح بتجاوزه، تحت حجج مخاوف الوطن البديل تارة وتصدير الأزمة السورية تارة أخرى، وعدم قدرة الأردن على تحمل المسؤولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، خاصة مع الأوضاع الديمغرافية الحساسة في ظل حديث السلطات الأردنية عن 700 ألف لاجئ سوري حسب آخر إحصائياتها.
أعداد اللاجئين الفلسطينيين من سورية في الأردن غير معروفة وتبقى الأمور في حدود التوقعات والتقديرات، فقد تحدثت إحدى الباحثات اللواتي يعملن في “الأونروا” أنها رصدت 3448 لاجئا فلسطينيا إلا أن آخرين يتحدثون عن أعداد أكبر دخلت خاصة بعد أحداث مخيم اليرموك.
يتركز وجود اللاجئين الفلسطينيين في الأردن في سكن “سايبر ستي” (المؤلف من بناية سكنية واحدة تتألف من 6 طبقات تحو 140 عرفة)، حيث تتحدث الحكومة الأردنية عن عبور نحو 150 لاجئاً فلسطينياً عبر السياج الحدودي بين سورية والأردن منذ بداية الاحتجاجات، بينما أعلنت وكالة الأونروا أخيراً ارتفاع أعداد اللاجئين إلى أكثر من 1000 لاجئ مسجلين ضمن سجلات وكالة الغوث. إلا أن مصادر إغاثية تتحدث عن ارتفاع أعداد اللاجئين إلى 2500، غير المسجلين ضمن سجلات وكالة الغوث، ويحملون وثائق سورية.
إن اختلاف تقديرات أعداد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في الأردن يعود إلى انصهار عدد من اللاجئين الفلسطينيين مع اللاجئين السوريين. حيث أن أعدادًا من اللاجئين الفلسطينيين من سورية دخلوا إلى مخيم الزعتري دون الكشف عن وثائقهم الفلسطينية حتى لا يتم إعادتهم في ظل أوضاع سورية مأساوية”.
تقدّم “الأونروا” دولارًا واحد يوميًا لكل شخص مقيم في “سايبر ستي”، وهذا وبالتأكيد هذا لا يكفي في ظل أوضاع مادية وإنسانية صعبة يعيشها اللاجئ. وتفرض السلطات على هؤلاء إقامة جبرية داخل المجمع المذكور ولا يسمح لهم بالخروج إلا ضمن قيود مشددة وكفالات ليوم أو يومين وفي ظل وجود كفيل أردني يلتزم أمام الدولة ويتحمل مسؤولية إرجاع اللاجئ الفلسطيني إلى السكن.
في الوقت ذاته؛ يشتكي اللاجئون الفلسطينيون القادمون من الأراضي السورية من ظروف “غير إنسانية” داخل مجمع “سايبر سيتي”، الأمر الذي دفع الكثير من العائلات إلى الهرب خارج أسوار المجمع. كما لم يشفع حمل الزوجة الجنسية الأردنية في إدخال عائلتها (التي تحمل وثائق فلسطينية) إلى الأردن، حيثترفض السلطات الرسمية ذلك. ومن بين الحالات الإنسانية حالة امرأة لديها ولد مصاب بداء السرطان، هي أردنية وزوجها “فلسطيني سوري” وكذلك ابنها. تقول الأمإن لها أهلًا في محافظة إربد بشمال الأردن، ولكنها مجبرة على البقاء في المخيم لتبقى قريبة من ابنها المريض الممنوع من العلاج لأنه لا يحمل الجنسية الأردنية.
مصر وغزة ..
اتخذت السلطات المصرية قرارًا بالسماح باستقبال اللاجئين الفلسطينيين من سورية من حملة الوثائق مؤقتًا إلى حين انتهاء الأزمة في سورية، لكن الأمر اختلف مؤخرًا، حيث أصبح يتعذّر السماح لفلسطينيين سورية من حملة الوثائق السفر إلى مصر من مطار بيروت، بطلب من السلطات المصرية.
ويتراوح أعداد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في مصر بين أربعة وستة آلاف لاجئ بين امرأة ورجل وأطفال ومُسنّين. في حين يقدر عدد اللاجئين السوريين في مصر بربع مليون مواطن.
لتعقيدات قضيّة اللجوء في مصر للفلسطينيين من ذوي الإقامة السوريّة لا يحظى الفلسطينيين بالمميزات ذاتها التي ينالها أقرانهم من السوريين، بل إن من ضاق بهم الحال في مصر لجأت إلى قطاع غزة .. حيث تتحدث الأرقام عن وصول نحو 250 عائلة إلى قطاع غزة.
وما يزيد الجانب القاتم ظلاماً، أنك ترى العديد من العائلات الفلسطينية التي لجأت إلى مصر لم تكن تحسب حسابها أن تطول المدة لهذه الحد، وندرة الوظائف جعلت الواقع صعب جداً عليهم؛ فهناك الكثير من العائلات لم يبقَ معها من المال ما تدفع به ثمن الإيجار وتصرف به على نفسها، ما اضطر العديد منهم إلى السكن في أماكن نائية جداً، قد تحتاج لأكثر من خمس ساعات لتصل إليهم، ومنهم من أضطر للسفر إلى مدن أخرى، حتى منهم من اضطر ليعود إلى سورية.
فهناك تقصير واضح من المؤسسات الدولية المعنية باللاجئين؛ فهي تقول إن اللاجئين الفلسطينيين السوريين من مسؤولية الأونروا، إضافة إلى التقصير الواضح من الجهات الحكومية الفلسطينية في متابعة قضايا اللاجئين؛ فقد عاش اللاجئ بلا سند، فلا المؤسسات الدولية في مصر، ولا السفارة الفلسطينية، ولا الحركات والأحزاب تقوم بواجبها تجاههم، حتى إنهم بالنسبة إلى مصر يصنفون كسائحين أو كطلاب لا كلاجئين، ومعظم اللاجئين يعانون مشكلات وصعوبات في التسجيل، سببها عدم وضوح الموقع القانوني للاجئ الفلسطيني السوري؛ فهو تارة يحسب على سورية، وتُطلب منه أوراق من السفارة السورية، وتارة أخرى يحسب فلسطينياً وتُطلب منه نفس الأوراق من السفارة الفلسطينية.
ليبيا .. عائلات عالقة
تشير بعد المعطيات إلى أن عدد العائلات الفلسطينية التي لجأت من سوريا إلى مدينة طبرق الليبية بلغ ثلاثة عشر عائلة، حيث واجهت هذه العائلات صعوبات جمة في الدخول إلى الأراضي الليبية، منها معاناتهم في الانتظار على المعبر لساعات طويلة بالبرد والمطر حتى سمح لهم دخول الأراضي الليبية.
يشار أن السلطات الليبية أصدرت في نهاية شهر 11 لعام 2012 قرار تمنع بموجبه عدم السماح بالدخول للفلسطينيين الذين يحملون وثائق السفر السورية، وفي سياق متصل لا تزال ست عشرة عائلة فلسطينية عالقة على الحدود المصرية الليبية في مرسى مطروح تنتظر السماح لهم بالدخول إلى ليبيا، والعائلات الـ16 وبعد انقضاء شهرين على بقائهم في الأراضي المصرية فقدو ما لديهم من المال ويعيشون منذ أيام من المساعدات المساعدات الخيرية التي يقدمها لهم أهالي محافظة مطروح، ومما يزيد من وضعهم سوءا انه طلب منهم مغادرة الشقق المجانية التي يقطنوها ليستأجروا غيرها، وهم لا يملكون المال من اجل المغادرة إلى للقاهرة أو العودة إلى سورية في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها.
كما لا تزال عدد من العائلات من فلسطينيي سورية عالقة في مخيم “الشوشة” المقام بالقرب من الحدود التونسية الليبية، تعيش في أوضاع إنسانية صعبة.
توطين في الأردن
نُشرت صحيفة /الشرق الأوسط/ الصادرة في لبنان في الثالث والعشرين من شهر شباط (فبراير) الماضي تقريرًا جاء فيه أن سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا في عمَّان “تحاولان جس نبض الشارع الأردني لبيان مدى تقبّله فكرة استقبال اللاجئين الفلسطينيين في سورية على أراضي الأردن مقابل حل أزمته المالية وإلغاء ديونه الخارجية التي تجاوزت 22 مليار دولار”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية لم تسمها في عمان، إن السفير البريطاني بيتر ميليت، “يُجري لقاءات على مستوى ضيق، مع قيادات المجتمع المدني الأردني لاستطلاع آرائهم حول قبول الشارع والحكومة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية وتوطينهم في الأردن”. وقالت إن السفير الأمريكي ستيوارت جونز، “يطرح الأفكار نفسها ويلوح بإمكانية تقديم عرض دولي تحمله الإدارة الأمريكية بإعفاء الأردن من كامل ديونه الخارجية التي تتجاوز 22 مليار دولار حسب موازنة العام 2012، شريطة قبول الدولة باستقبال واستيعاب اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في سورية”.
وعلى الرغم من نفي كل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في بيان مشترك صدر عن سفارتهما في عمّان، إلا أن الأمر يثير الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام على طريقة تعامل الأردن مع النازحين الفلسطينيين من سورية، في ظل انشغال المجتمع الدولي في سبل إيجاد “حل” لقضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين. كما يعطي الأمر مؤشرًا أن هناك دولًا تستغل الأزمة لتصفية حق العودة.
من جهة أخرى؛ طلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، في التاسع عشر من كانون أول (ديسمبر) 2012، السماح لفلسطينيي سورية بالعبور إلى «الدولة الفلسطينية»، إلا أنه كما يبدو تراجع عنها، إذ لم يعد يتابع هذا النداء ..وهنا يبقى السؤال: هل هذا الطرح واقعي؟ أم أنه للاستهلاك الإعلامي.
تهجير للخارج ..
يذهب بنا الأمر أيضًا إلى حقيقية الأنباء التي تتحدث عن تسهيل هجرة فلسطينيين سورية إلى الدول الاسكندنافية، ففي الوقت الذي كان فيه اللاجئ الفلسطيني يحظى بإجراءات سهلة للهجرة والتخلي عن حق العودة إلى دول أوروبية – قبل الأزمة في سورية – أصبح الأمر يشكل أكثر إغراءً لتلك الدول التي تحاول استقطاب بعض هؤلاء اللاجئين، لكن للسبب ذاته وهو التخلي عن حق العودة ومحاولة تفريغ الحق من مضمونه، وبدء هدم هذا الثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني لبنة لبنة.
وكانت صحيفة السفير اللبنانية نشرت قبل يومين خبرا أشارت فيه إلى أن نازحين فلسطينيين من سوريا يتلقون تسهيلات كبيرة للانتقال إلى الدول الإسكندنافية، إلى جانب تقديم بعض هذه الدول حوافز لفلسطينيين على أراضيها لإجلاء عائلاتهم أو أقاربهم إليها.
فالنتيجة المتوقعة – في ظل الصور السوداوية التي يعيشها النازحون الفلسطينيون في أي مكان يحلون فيه، أن يسعى هؤلاء بأي طريقة للهجرة إلى أي دولة أوروبية من أجل البحث عن حياة كريمة، وهو الأمر الذي يتم استغلاله من أجل منحه ما يطلب ولكن مقابل التخلي عن فكرة حق العودة، وإن كان سيتم ذلك من ناحية عملية عندما يستقر هناك.
كشف مسؤول أردني النقاب لصحيفة /الحياة/ في الثالث والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) 2012 عن اتفاق جديد بين بلاده ومنظمة الهجرة الدولية، يقضي بتجهيز مخيم للأجانب المقبلين من سورية بمن فيهم الفلسطينيون، لتنظيم التعامل معهم، إما بإعادتهم إلى بلدهم الأصلي أو تسفيرهم إلى بلد ثالث أو عودتهم لسورية، بحسب ما تقرره المنظمة الدولية.
ويعيد التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية إلى الأذهان قضية الفلسطينيين الذين فروا من العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث ظل نحو 300 منهم في الصحراء الفاصلة بين الأردن والعراق لسنوات حتى نقلوا إلى البرازيل.
وهنا نتساءل عن غايات إقفال الأردن حدوده دون استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين؟ وفرض الحكومة الليبية على الفلسطينيين حملة الوثائق السورية الحصول على تأشيرة لدخول أراضيها؟ وتوقف السفارة المصرية في بيروت عن إصدار تأشيرات الدخول للشباب الفلسطيني السوري من عمر 18 ولغاية 40 سنة؟ ودعوات وزراء وقوى لبنانية إقفال الحدود بوجه الهاربين من الموت من الفلسطينيين تحديدا.
“الأونروا” ..عجز ينذر بخطر
لا يكف القائمون على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” عن تكرار تضاعف حجم أزمتهم المالية – هذا قبل ما جرى في سورية وما يتعرض له أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني من ظروف إنسانية قاسية- حيث زادت هذه الشكوى من عدم قدرتها على تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية.
إن ما تتعرض له وكالة “الأونروا” من ضغط متزايد، لا سيما في ظل عجزها المادي (في ظل مماطلة الدول المانحة في دعمها) وتراجع خدماتها المقدمة للاجئين، يجعل طرح تساؤل حول مستقبلها مشروعًا، فهل يمكن أن ترفع يدها عن الأمر .. ويكون عجزها سببًا لذلك.
أيضًا هل يمكن أن يتم تصفية هذه الوكالة بحيث تتولى كل دولة من لديها من فلسطينيين وتحاول دمجهم في المجتمع؟ هل يمكن أن تبقى الأونروا داخل فلسطين فقط وينتهي عملها في الخارج، مع الإشارة إلى أن فكرة تصفية الأونروا هو دعوة إسرائيلية، كون هذه الوكالة الأممية تمثل شاهد على الجريمة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني في العام 48 وما تجسده من التزام سياسي وأخلاقي من قبل المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين.
وإزاء تقديرات كهذه تحظى بقدر من الرواج في أوساط اللاجئين الفلسطينيين؛ فإن الأمر بات يستدعي التمييز بين الدور الذي تقوم به الوكالة الدولية وبين ما يُحاك ضدها من قبل الجهات الممولة لها، ولعل هذا ما يعزز أيضاً ما جرى تناقله في وسائل الإعلام عن دراسة أمريكية صدرت بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، دعت إلى اتخاذ خطوات عملية لتصفية “الأونروا”، وتخفيض نشاطها في بعض المناطق، والإبقاء على أنشطتها بشكل مؤقت، وتوكيل اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بهذه المهام المنتقصة من الوكالة، والعمل على تحسين الخدمات المقدمة من الأخيرة خلال هذه الفترة المؤقتة.
المهم أن ثمة ترتيبات، يتم التحضير لها في السنوات القليلة الماضية، تشترك فيها الأمم المتحدة والدول المانحة وتستهدف إجراء تغييرات في شكل وبنية
الأونروا لتتناسب مع الدور الجديد المراد للأونروا القيام به ليتناغم مع شكل التسوية المرسوم للقضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي لم تعد خيوطها خافية على أحد، حيث تستهدف التسوية الجارية شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر عدد من الطروحات والإجراءات.
خاتمة
يعيش اللاجئون الفلسطينيون النازحون من سورية أوضاعًا إنسانيا صعبة وخطيرة وتنذر بالأسوأ إن لم يجر تدارك الموضوع، فمصير اللاجئين الآن يسير نحو المجهول مع غياب لأي أفق للحل في سوريا مع اقتراب دخول الأزمة عامها الثالث.
العامل الآخر الذي ينذر بالمصير المجهول، فهو العامل الديموغرافي المتزايد والذي ينذر بانفجار اجتماعي وامني لا سيما في لبنان، ويتعلق بالمساحات التي لجأ إليها اللاجئون الفلسطينيون، مما سيولد أزمة اقتصادية ونفسية وإجتماعية خانقة لكلا الطرفين.
لا بد من التأكيد على أن:
– العمل على تشكيل ائتلاف إغاثي دولي (يضم جميع الهيئات والجمعيات الإغاثية في العالم)، وتشكيل خطة إنقاذ عاجلة.
– البدء بعمليات إغاثة شاملة وواسعة .. تلامس احتياجات النازحين الأساسية (غداء .. كساء .. مسكن)
– التواصل والضغط على الدول المستضيفة بتحسين ظروف العيش للنازحين دون تمييز.
– مناقشة فكرة دمج النازحين الفلسطينيين مع السوريين .. بحيث يعاملوا معاملة النازحين السوريين.
– التأكيد أن الحديث عن توطين اللاجئين ودفعهم للهجرة الجماعية هنا أو هناك يخالف أهم المبادئ والقواعد الآمرة في القانون الدولي، وهو مبدأ حق تقرير المصير.
– التأكيد على رمزية المخيم والتمسك بحق العودة إلى فلسطين.